نبات «الساليكورنيا» وفق المسمى العلمي له، ينتمي إلى فصيلة
«الهالوفيت» وتعنى «النباتات المحبة» أو المقاومة للمياه المالحة، لما لها من قدرة
على تحمل ملوحة مياه البحر، حيث أكد خبراء التربة أنه يتحمل الملوحة بمقدار 50
ملليجرمًا في اللتر الواحد، وهى أعلى من نسبة ملوحة مياه البحر التى
تقدر بنحو 35 ملليجراما فى اللتر يوجد أكثر من 88 نوعًا من الساليكورنيا فى
العالم.
وهناك نوعان من التمليح فى الأرض، الأول تكون فيه الأملاح جزءًا من المكون
الأساسي من مكونات التربة، وهو المناسب للزراعات الملحية، وهذا النوع
متوافر فى مصر بكثرة، فى حين أن النوع الثاني يطلق عليه التمليح
الثانوي وينتج عن الاستخدام السيئ لمياه الرى، وسوء حالة الصرف الزراعى فى
بعض الأراضى.
النبات يمكن زراعته فى الأراضي الساحلية التى لا تصلح للزراعة
التقليدية أو غير المستغلة سياحيًا، ويصلح فى الأراضي الصحراوية الغنية بالمياه
الجوفية المالحة التى تصلح لزراعة النباتات الملحية الجديدة، خاصة أن مصر تمتلك
17.5 مليون فدان متأثرة بالأملاح تتم زراعة 1.5 مليون فدان منها والباقى لم يستغل
حتى الآن.
كما أن هناك 8 مناطق ينمو فيها النبات بطريقة طبيعية وهى فى المسافة
من الإسكندرية إلى مطروح وهناك 5 أنواع منه فى مصر، أن حصر أماكن تواجده فى
الأراضى المصرية بشكل عام وأقلمته وإنشاء مزارع تجريبية له ودراسة كل خصائصه
وإنتاجيته تحت ظروف مختلفة وانتخاب سلالات محلية متفوقة ومحسنة منه تحتاج
إلى ميزانية ضخمة وهى ليست كبيرة إذا تبنتها الدولة مقارنة بالدول الأخرى
التى أنفقت مئات الملايين من الدولارات على دراسته، وبالمقارنة بالعائد الاقتصادى
الضخم الذى سيوفره المحصول؛ حيث تمت «أقلمته» فى عدة دول منها السعودية وأمريكا
وأستراليا وهولندا وإنجلترا والبرتغال والمكسيك والصين، بعد أن ثبتت جدواه
الاقتصادية والغذائية الكبيرة.
ما أهمية نبات الساليكورنيا عالميًا؟
قال الدكتور أحمد حسين عبد المجيد استشاري التغذية بمعهد بحوث
الإنتاج الحيوانى، مركز البحوث الزراعية عن نبات «الساليكورنيا»، إن نبات
الساليكورنيا أحد النباتات الملحية التى يمكن أن يكون لها مستقبل واعد لمميزاتها
العديدة؛ حيث تصلح كمحصول زيتى وأعلاف، كما أن 15% من الأراضي المستغلة في صحارى
العالم الساحلية والداخلية المالحة يمكن ريها من البحار، واستخدامها في إنتاج
الغذاء دون المساس بالموارد المائية العذبة الشحيحة،عن طريق زراعة النباتات المحبة
للملوحة (الهالوفيت) ثم إنتاج سلالات جديدة منها تسمى السوس – 7
ما أهمية نبات الساليكورنيا لمصر؟
وأضاف الدكتور أحمد عبدالمجيد، أنه بالنسبة لمصر تشكل الصحراء
الساحلية الرملية على امتداد ساحل البحر الأحمر أيضاً أراضى السبخة الموجودة في
العديد من السهول الساحلية كما في شمال الدلتا سيناء فرصة عظيمة للاستثمار لإنتاج
زيت الطعام وأعلاف حيوانية مما يخفف الضغط على استخدام المياه العذبة والأراضي
الزراعية المتاحة، مستكملا أن نبات الساليكورنيا يعتبر من النباتات المحبة للملوحة
التي تنمو طبيعياً وتم توطينها والاستفادة بقدرتها على مقاومة الملوحة.
ما هي منتجات نبات الساليكورنيا ؟
وأشار استشاري التغذية بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، إلي أن نبات
"الساليكورنيا" تقوم عليه عدة منتجات مثل زيت الطعام وزيوت صناعة
ومستحضرات التجميل وزيوت التشحيم والدقيق الأبيض لصناعة الخبز والمعجنات، ويصل عمر
نبات سوس – 7 إلى سبعة شهور، ويروى بماء
البحر وينتج 20 طنا للهكتار (البرسيم ينتج 20.5 طنا متريا للهكتار)، وتمثل البذور
الزيتية 2 طن (10% من المحصول) ولا تحتوى أى أملاح، ويمكن تحويل 30% منها (0.6 طن)
إلى زيت نباتى عالى الجودة يخصص للأستهلاك الآدمى (ويتم استخلاص الزيوت بطرق
تقليدية) وينتج منها كسب قدره (1.4طن) أما الـ 18 طنا الباقية من المادة الأصلية
فعبارة عن تبن يحتوى على سبعة أطنان أملاح.
ما هى مواصفات زيت الساليكورنيا؟
واستطرد الدكتور أحمد عبدالمجيد، أن مواصفات زيت السوس – 7 يماثل زيت العصفر Safflowr Oil، وهو من الزيوت الصحية
الخالية من مادة الكوليسترول وغنى بحامض اللينوليك (حامض زيت الكتان)، أى أنه
زيت غير مشبع، وبالتالى مناسب لكل الأنظمة الغذائية، ويمكن أن يحل محل زيت العصفر
أو الزبد في كل وصفات الطهى، وظروف تخزينه تماثل ظروف تخزين زيت فول الصويا، ويمكن
هدرجته.
وأكد استشاري التغذية بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، أن استخراج
الزيوت من بذور الساليكورنيا بنسبة 30٪ من حجم البذور وهى نسبة تفوق نسبة استخراج
الزيوت من الفول الصويا التى تقدر بحوالى 17٪ فقط.
أزمة الأعلاف
وأشار الدكتور أحمد عبدالمجيد، إلى أن مصر تستورد نحو 75% من
الأعلاف والمواد الخام لصناعة الدواجن مقابل نحو 25% فقط من الإنتاج المحلي، مما
أدى إلى توقف 25 ألف مزرعة دواجن عن العمل لنفاد الأعلاف، ويحتاج هذا القطاع إلى
25 ألف طن من الذرة والصويا يوميا حتى تستطيع كل مزرعة إطعام الدواجن لديها،
مستكملا أن مصر تستورد حوالي 6 ملايين طن من الذرة الصفراء سنوياً وما بين 1.5 و2
مليون طن من الفول الصويا، وفى المقابل تقوم بزراعة ما يتراوح بين مليون و1.5
مليون طن من الذرة الصفراء محلياً.
واستكمل استشاري التغذية بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، أن مصر تنتج
حوالى 20% فقط من فول الصويا ونستورد 80% من الخارج، كما نستورد 50% من احتياجاتنا
من الذرة الصفراء ونزرع 50%، وصناعة الدواجن بصفة عامة تقوم فى الأساس على
الأعلاف، فعند حدوث أى خلل فى الأعلاف، سواء فى ارتفاع أسعارها أو عدم توافرها،
يؤدى إلى تدهور صناعة الدواجن وارتفاع أسعار الدواجن والبيض، كما أن التوسع فى
زراعة الذرة و فول الصويا لا يمكن لأن الأرض الصالحة للزراعة محدودة وأيضًا مياه
الرى والحل هو الاتجاه للنباتات الملحية.
وأضاف الدكتور أحمد عبدالمجيد، أن زراعة سواحل مصر الشمالية
والشرقية بالسالكورنيا يعطى 11.4 مليون طن من العلف – وهى كمية تكفى لتوفير 80% من الأعلاف في مصر؛ مما يوفر ملايين من الدولارات
سنويا من وارداتها بالعملة الصعبة، بالإضافة لتوفير الأراضى المروية بالمياه
العذبة.
علف السالكورنيا للدواجن والماشية
وأشار استشاري التغذية بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى،
إلى أن بعض الدراسات بجامعة أريزونا على الأغنام أظهرت إمكانية استخدام
السالكورنيا (بذور - وسوق) كبديل للعلائق المصنعة من بذرة القطن، كما يمكن استخدام
النبات لإنتاج العلف، بدون فصل البذور الغنية بالزيوت بعد الحصاد وتقديم النبات
بأكمله لتغذية الماشية، وقد تحتوى البذور على كمية من مادة الصابونين، ويمكن
التخلص منها، ولكن هذه البذور تعتبر مصدرًا جيدًا للبروتين، وتصلح لتغذية
الحيوانات المجترة، ويحتوى تبن السالكورنيا على 30-40% رماد، وكمية قليلة من
البروتين 4-6%، والألياف يمكن هضمها، كما يمكن استبدال بذرة القطن ببذور
السالكورنيا فى علائق الأغنام، وقد أجريت أيضا تجارب للتغذية، ووجد أن الثيران
التي تغذت بالبرسيم والسوس- 7 المنزوع الملوحة في وجبات منفصلة قد حققت زيادة
متساوية في الوزن، كما حققت الماعز والأغنام تقدمًا ممتازًا، ولكن عند استخدام
النباتات المحبة للملوحة كعلف للحيوان، فقد تحتاج الحيوانات زيادة استهلاك مياه
الشرب، وقد ترتفع نسبة استهلاك العلف لكل وحدة زيادة في وزن الحيوان، نتيجة لزيادة
المحتوى المعدني في الهالوفيت، ولكن عندما يستخدم بكفاءة مع خليط مكونات العليقة،
فإن الزيادة في الوزن وخصائص الذبيحة المغذاة على مكونات عليقة تتضمن الهالوفيت
يكون مساوياً لتلك المغذاة على الأعلاف التقليدية.
هل يمكن التخلص من الأملاح في منتجات
نبات الساليكورنيا؟
وتابع الدكتور عبدالمجيد، أنه يمكن استخدام الأراضى الساحلية لإنتاج
الأعلاف، والبذور الزيتية فى المناطق الجافة؛ حيث إن مياه البحر مصدر بديل للمياه،
مع مراعاة أن إدارة المياه من أكبر التحديات لمنع زيادة تراكم الأملاح في منطقة
الجذور، ويمكن التخلص من 65% من الأملاح بسهولة من خلال نقع بقايا النبات (التبن)
فى ماء البحر لمدة ساعة لإذابة الأملاح ثم عملية غسيل قصيرة، وينتج هذا أكثر من 13
طن تبن يستخدم للماشية.
ما حجم استيراد الزيوت في مصر؟
أكد استشاري التغذية بمعهد بحوث الإنتاج الحيوانى، أن قيمة الواردات
المصرية من الزيوت المكررة بلغت نحو مليار و363 مليون و436 ألف دولار بنهاية عام
2021، بينما كانت نحو 851 مليونًا و150 ألف دولار عام 2020، بزيادة بلغت 512
مليونًا و286 ألف دولار، وتسعى مصر إلى توطين صناعة الزيوت، نظرًا لما شهدته
واردات الزيوت بالتزامن مع احتدام الأزمة الاقتصادية العالمية والتي أدت إلى ظهور
أزمات في سلاسل الإمداد ودفع إندونيسيا - أحد أكبر منتجي الزيوت في العالم - إلى
وقف عمليات تصدير الزيوت لتلبية الطلب المحلي.
وأضاف أن مصر تستورد نحو 1.7 مليون طن من الزيوت النباتية الخام،
موزعة بين 3 أنواع رئيسة هى النخيل ودوار الشمس والذرة، وفقًا لبيانات رسمية صادرة
عن وزارة الزراعة الأمريكية، ولا تغطي المساحة المزروعة بالنباتات الزيتية
سوى 3% من مساحتها، وبالتالى إذا زرعت المناطق الساحلية المصرية بعمق أربعة
كيلومتر بنبات سوس-7(السالكورنيا) ورويت بمياه البحر، فان هذه المساحة (856 ألف
هكتار) ستزيد على مساحة وادى النيل بأكمله، ويمكن أن توفر نصف مليون طن من
الزيوت النباتية، الأمر الذي سيؤدى إلى الأستغناء عن الأستيراد، كما أن
«الساليكورنيا» نبات يتمتع بخصائص طبية عالية؛ حيث تستخرج منه مواد فعالة لعلاج
آلام المفاصل والروماتيزم وإدرار البول وعلاج الترهل والسل وتليف الكبد والأوعية
الدموية وإنتاج فواتح للشهية.
مركز الطيور والحيوانات التي تتحمل الملوحة
أكد الدكتور أحمد عبدالمجيد، أنه يجب الإسراع في إنشاء مركز الطيور
والحيوانات التي تتحمل الملوحة لاستكشاف ودراسة وأقلمة الزراعات المحبة للأملاح فى
مصر التى تتوافر بكثرة ويمكن الاعتماد عليها غذائياً واقتصادياً، خاصة مع امتلاك
مصر مساحات ضخمة من الأراضى المالحة وتوافر المياه المالحة، كما أن بعض الدول
العربية قطعت شوطاً كبيراً فى هذا المجال، خاصة الإمارات التى أسست المركز الدولى
للزراعات الملحية بتكنولوجيا متقدمة، مضيفًا إن الزراعة فى المياه المالحة مفهوم
جديد للزراعة، خاصة فى مصر لامتلاكها خزانات مياه جوفية مالحة بصورة كبيرة وبحارًا
وأراضى ملحية.
هل ستتأثر خزانات المياه الجوفية العذبة؟
وأضاف أنه يجب دراسة المناطق التى ستتم زراعتها اعتماداً على المياه
المالحة، بحيث يتم اختيار البعيدة عن خزانات المياه الجوفية العذبة حتى لا تتأثر
بالمياه المالحة، أن التكنولوجيا التى تقوم بتحديد هذه المناطق متوافرة فى مصر،
حيث يمكن الاستعانة بخرائط مصورة بالأقمار الصناعية التى يمكن الاعتماد عليها
كقاعدة استرشادية عن مناطق الأراضى الملحية، مستكملا أن هناك مناطق عديدة تتميز
بخزاناتها الجوفية المالحة وتربتها المالحة فى الساحل الشمالى والصحراء الشرقية
وسيناء وسواحل البحر الأحمر، ويمكن زراعتها بالنباتات الملحية، سواء بالاعتماد على
المياه الجوفية أو مياه البحرين المتوسط والأحمر، أنها لن تؤثر على خزان المياه
الجوفى بهذه المناطق الملحية بطبيعتها، أن نسبة الملوحة فى المياه الجوفية فى مصر
تتراوح بين 3 و12 ملليجرام فى اللتر طبقاً لخصائص كل منطقة.
هل يمكن اعتبار الساليكورنيا محصولًا رئيسيًا؟
أستطرد الدكتور أحمد
عبدالمجيد، أن هناك إمكانية لقيام مشاريع زراعية وصناعية متكاملة على هذا النبات،
إذ تقوم عليه صناعة الزيت والأعلاف وتربية الماشية والأغنام والإبل والدواجن، وأن
نبات الساليكورنيا تعامل فى الدول المنتجة لها حالياً باعتبارها محصولاً مهماً،
ومن الممكن أن تصبح المحصول الأول بديلاً للقطن الذى انهارت زراعته فى مصر، كما
أننا نستورد 90٪ من خام زيت الطعام، وأن زراعة الساليكورنيا ستوفر قدراً كبيراً من
الزيوت الذى يترتب عليه توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد الزيت وتحقيق قدر
كبير من الاكتفاء الذاتى منه، بالإضافة لدخولها فى الصناعات الدوائية بكثرة، مما
يبشر بمستقبل واعد لهذا النبات، وهو يعتبر مادة أولية لصناعة الورق والكرتون ورماد
النبات غنى بالبوتاسيوم الذى يستخدم فى صناعة الاسمدة وأيضا غنى بكربونات الصوديوم
التى تستخدم فى صناعة الصابون ويستخرج من النبات ملح نباتى منخفض الصوديوم ولايحتاج
إلى مانع للتكتل.